جمالك يا وجه الفضاء عجيب
وصدرك يأبى الانتهاء رحيب
وعينُك في أم النجوم كبيرةٌ
تضيء على أن الضياء لهيب
وما زلت تغضيها فنُخطئ قصدنا
وتفتحها برّاقةً فنصيب
فيحمرّ منها في الغَدّية مطلع
ويصفرّ منها في العشيّ مغيب
ويخلفها البدر المنير حفيدها
وعنها إذا جنّ الظلام ينوب
وليلٍ كأنّ البدر فيه مليحةٌ
أغازلها والنيّرات رقيب
سريت به والبحر رهوٌ بجانبي
وردُن النسيم الغضّ فيه رطيب
فشاهدت فيه الحسن أزهر مشرقاً
له في العلا وجهٌ أغرّ مهَيب
ورحت وأهل الحيّ في قبضة الكرى
وفي الليل صمتٌ بالسكون مشوب
فكنت كأنّي أسمع الصمت سارياً
له بين أحشاء الفضاء دبيب
ولو أنّ صمت الليل لم يك مطرباً
لما هزّ أعطاف النسيم هبوب
ألا أن وجه البحر بالنور ضاحك
طليق وثغر الماء فيه شنيب
ترقرق منساباً به الماء والسنى
فلم أدر أيّ اللامعين يسيب
وللبدر نورٌ يمنح البحر رونقاً
فيبدو كأنّ الماء فيه ضريب
إذا جمّش البحر النسيم تهلّلت
أسارير فيها للضياء وثوب
وقفت ولألاء السني يستخفّني
فتطرب نفسي والكريم طروب
أردّد بين البدر والبحر ناظري
قيصعد طرفي مرة ويصوب
تأمّلت في حسن العوالم مَوهِناً
فجاش بصدري الشعر وهو نسيب
كأنّي وعُّلويَّ العوالم عاشقَ
أطلّ من الأعلى عليه حبيب
فقام له مستشرفاً ويمينه
تشدّ ضلوعاً تحتهنّ وجيب
ولما رأيت الكون في الأصل واحداً
عجبت لأن الخلق فيه ضروب
ألا أن بطناً واحداً أنتج الورى
كثيرين في أخلاقهم لرغيب
وإن فضاءً شاسعاً قد تضاربت
بأبعاده أيدي القوى لرهيب
وإن اختلاف الآدميين سيرةً
وهم قد سلووا صورة لعجيب
وأعجب ما في الكائنات ابن آدم
فما غيره في الكائنات مريب
يذمّم فعل السوء وهو حليفه
ويحمد قول الصدق وهو كذوب
رأيت الورى كلاًّ يراقب غيره
فكلّ عليه من سواه رقيب
ومن أجل هذا قد نرى كل فاعل
إلى الناس في كلّ الفِعال ينيب
فكم حَمَل في مجمع القوم يُتّقى
به ثعلب عند الخلاء وذيب
ولو باح كلٌّ بالذي هو كاتمٌ
لما كان في هذا الأنام أديب
وليس يجدّ المرء إلاّ تكلُّفاً
وذاك لأن الطبع فيه لعوب
ويجتنب المرء العيوبَ لأنّها
لدى عائبيه لا لديه عيوب
رئاء قديم في الورى شقيت به
قبائل منهم جَمةٌ وشعوب
ورَّبتَ أخلاق يراها خبيثةً
اناس وعند الآخرين تَطيب
وحلم الفتى عند الضعيف فضيلةٌ
ولكنه عند القوىّ مّعيب
وقد يفتري المال الفضائل للورى
وليس لهم مما افتراه نصيب
وللفقر بين الناس وجهٌ تبينّت
به حسنات المرء وهي ذنوب
لقد أحجم المثري فسّموه حازماً
وأحجم ذو فقرٍ فقيل هيوب
وإن يتواضع مُعدمِ فهو صاغرٌ
وإن يتواضع ذو الغنى فنجيب
وذو العُدم ثرثار بكثر كلامه
وذو الوُجد منطيق به ولبيب
وللناس عادات كثير تقودهم
فكلّ امرئ منهم لهنّ جنيب
وهنّ إذا ما يأكلون أكيلهم
وهنّ إذا ما يشربون شريب
أبو أن يحيدوا ضلّة عن طريقها
وإن مسّهم من أجلهن لغوب
هي الداء أعيا الأولين فهل له
على عقمه في الآخرين طبيب